قابوس بن سعيد… سيرة وطن في رجل

السياسة الكويتية حين نتحدثُ عن السُّلطان قابوس بن سعيد، رحمه الله، فإننا نروي سيرة وطن في رجل، وليس مجرد حاكم عابر في التاريخ، بل صانع واحدة من أهم النهضات الخليجية في القرن العشرين والعقدين الاولين من القرن الحالي.
هذا الرجل أراد لبلاده الخروج من بحر الظلمات إلى نور العصرنة، فسعى إلى تنمية إنسانها، وإعمار بنيانها لتكون في مصاف الدول المساهمة بالحركة الحضارية العالمية.
في هذا المجال أروي واحدة من الشهادات عن هذا الرجل، إذ ذكر انني في عام 1970 وبعد توليه زمام الحكم بفترة وجيزة قصدت مسقط لإجراء حوار معه، وكان أول حوار صحافي يجريه السلطان الجديد مع وسيلة إعلام عربية، يومذاك.
مطار مسقط كان مدرجا واحدا وبضعة “هناكر” ولا أبنية محيطة ولا غيرها، ولعدم وجود فنادق وقع الخيار على أن أكون بضيافة شركة نفط إيطالية حيث معسكرها الذي يسكنه موظفوها.
صباح اليوم التالي ذهبت إلى حيث يقيم السلطان، في فيللا بسيطة قرب قصر العلم الذي شيد لاحقا في تلك المنطقة، أثاثها متواضع، وليس فيها من بهارج الحياة ما يذكر، وفي تلك القاعة حيث كان المواطنون العمانيون يقدمون التهاني إلى سلطانهم الجديد، جلست إلى جانبه، وبدأنا حديثا مطولا عما يحمله في عقله لمستقبل بلاده.
يومذاك كانت السلطنة تعيش في شبه عزلة عن العالم، وتكثر فيها المشكلات الناتجة عن الفقر والعوز، لذلك حين كنت استمع إلى كلامه، ورؤيته إلى دولة عصرية، بمقاييس ذلك الزمن، رأيت أن ذلك ضرب من المستحيل، اذ كيف لهذا الرجل ان يحقق كل ذلك في غضون سنوات قليلة، في دولة لا تمتلك المقومات الاساسية في هذا الشأن؟
ذلك الحديث اعتبره واحدة من الوثائق المهمة عن ترجمة رؤى قابوس بن سعيد، رحمه الله، إلى واقع، ففيه عرض إلى رؤيته للتعليم وضرورة ان يكون العماني مجاريا عصره، والبنى التحتية وتطويرها كي تصبح عمان في سنوات قليلة محطة اقتصادية مهمة، خليجيا وعربيا، والصحة وضرورة القضاء على الأمراض التي كانت متفشية يومذاك في ولايات عدة، والقوات المسلحة وتحديثها، وعن الثقافة ونشرها في طول البلاد وعرضها.
تحدث قابوس بشغف عن هواياته، الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية، والاوبرا، التي لم تكن معروفة في كثير من الدول العربية يومها، وبكلام الواثق قال ان في السلطنة شعباً قادراً على العمل والتغيير.
ربما أقولها للمرة الأولى، إذ رغم عدم قناعتي بكل ما قاله السلطان الشاب المتحمس، يومذاك، لم أكن املك غير نشر هذا الحديث الذي تحول واقعا، تشهد الانجازات التي تمت لاحقا على كل كلمة فيه.
بعد ذلك الحديث المطول ارتبطت بقابوس بن سعيد بصداقة طويلة، وفي كل مرة كنت أزور فيها السلطنة لاحقا، كنت استعيد ما ورد في الحديث الوثيقة، وأقارنه بالواقع، حيث كانت الخطوات التنموية متسارعة، فالعاصمة المتواضعة تحولت خلال سنوات حاضرة من حواضر العرب، والمدارس والجامعات بدأت تنبت كالواحات في صحراء وجبال جرداء قاسية، وتتحول يوما بيوم منارات معرفية، تؤكد ما ذهب اليه الراحل الكبير عن أن عمان طيبة لا يمكن ان تنبت فيها أزهار شريرة.
استنَّ الرجل سنة حميدة في الحكم، وهي سماع الناس مباشرة من دون وسيط، فكانت جولاته السنوية بين الولايات والمدن والقرى حيث يجالس المواطنين ويستمع اليهم، ينصف المظلوم ويحاسب المسؤول فورا، باعثا في النفوس الطمأنينة.
هذا الانصاف والحزم في تطبيق القانون والثقة التي رسخت بنفوس العمانيين جعلت البلاد تحتل أدنى مراتب معدلات الجريمة في العالم، وهذا بحد ذاته من ثمرات العمل الدؤوب الذي كرس الرجل حياته له، حتى عندما عصفت رياح سموم ما سمي”الربيع العربي” في عالمنا الصغير خرج بعض العمانيين إلى الشارع رافعين شعار “الشعب والسلطان ضد الفساد”، واستجاب قابوس لمطالب شعبه فورا موجها بتأمين 50 الف وظيفة لاستيعاب الشباب.
لم يكن يملك قابوس أي شيء فكله مسجل باسم الدولة، ولم تكن له أي ممتلكات في الخارج، لأنه كان مؤمنا بشعبه، وبلاده، ولذلك رحل ناصع البياض في السيرة والتاريخ، ودفن بكفن بلا جيوب، واستحق أن يقال فيه انه حكم بلاده بالحزم الابوي والشفافية.
قابوس بن سعيد كان ينظر إلى المستقبل، لأن الحكم عنده استمرارية، لذلك اختار خليفته الرجل المؤتمن على رؤية عمان 2040 هيثم بن طارق آل سعيد سلطاناً يُكمل مسيرة النهضة والتنمية.
هذا الرجل أراد لبلاده الخروج من بحر الظلمات إلى نور العصرنة، فسعى إلى تنمية إنسانها، وإعمار بنيانها لتكون في مصاف الدول المساهمة بالحركة الحضارية العالمية.
في هذا المجال أروي واحدة من الشهادات عن هذا الرجل، إذ ذكر انني في عام 1970 وبعد توليه زمام الحكم بفترة وجيزة قصدت مسقط لإجراء حوار معه، وكان أول حوار صحافي يجريه السلطان الجديد مع وسيلة إعلام عربية، يومذاك.
مطار مسقط كان مدرجا واحدا وبضعة “هناكر” ولا أبنية محيطة ولا غيرها، ولعدم وجود فنادق وقع الخيار على أن أكون بضيافة شركة نفط إيطالية حيث معسكرها الذي يسكنه موظفوها.
صباح اليوم التالي ذهبت إلى حيث يقيم السلطان، في فيللا بسيطة قرب قصر العلم الذي شيد لاحقا في تلك المنطقة، أثاثها متواضع، وليس فيها من بهارج الحياة ما يذكر، وفي تلك القاعة حيث كان المواطنون العمانيون يقدمون التهاني إلى سلطانهم الجديد، جلست إلى جانبه، وبدأنا حديثا مطولا عما يحمله في عقله لمستقبل بلاده.
يومذاك كانت السلطنة تعيش في شبه عزلة عن العالم، وتكثر فيها المشكلات الناتجة عن الفقر والعوز، لذلك حين كنت استمع إلى كلامه، ورؤيته إلى دولة عصرية، بمقاييس ذلك الزمن، رأيت أن ذلك ضرب من المستحيل، اذ كيف لهذا الرجل ان يحقق كل ذلك في غضون سنوات قليلة، في دولة لا تمتلك المقومات الاساسية في هذا الشأن؟
ذلك الحديث اعتبره واحدة من الوثائق المهمة عن ترجمة رؤى قابوس بن سعيد، رحمه الله، إلى واقع، ففيه عرض إلى رؤيته للتعليم وضرورة ان يكون العماني مجاريا عصره، والبنى التحتية وتطويرها كي تصبح عمان في سنوات قليلة محطة اقتصادية مهمة، خليجيا وعربيا، والصحة وضرورة القضاء على الأمراض التي كانت متفشية يومذاك في ولايات عدة، والقوات المسلحة وتحديثها، وعن الثقافة ونشرها في طول البلاد وعرضها.
تحدث قابوس بشغف عن هواياته، الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية، والاوبرا، التي لم تكن معروفة في كثير من الدول العربية يومها، وبكلام الواثق قال ان في السلطنة شعباً قادراً على العمل والتغيير.
ربما أقولها للمرة الأولى، إذ رغم عدم قناعتي بكل ما قاله السلطان الشاب المتحمس، يومذاك، لم أكن املك غير نشر هذا الحديث الذي تحول واقعا، تشهد الانجازات التي تمت لاحقا على كل كلمة فيه.
بعد ذلك الحديث المطول ارتبطت بقابوس بن سعيد بصداقة طويلة، وفي كل مرة كنت أزور فيها السلطنة لاحقا، كنت استعيد ما ورد في الحديث الوثيقة، وأقارنه بالواقع، حيث كانت الخطوات التنموية متسارعة، فالعاصمة المتواضعة تحولت خلال سنوات حاضرة من حواضر العرب، والمدارس والجامعات بدأت تنبت كالواحات في صحراء وجبال جرداء قاسية، وتتحول يوما بيوم منارات معرفية، تؤكد ما ذهب اليه الراحل الكبير عن أن عمان طيبة لا يمكن ان تنبت فيها أزهار شريرة.
استنَّ الرجل سنة حميدة في الحكم، وهي سماع الناس مباشرة من دون وسيط، فكانت جولاته السنوية بين الولايات والمدن والقرى حيث يجالس المواطنين ويستمع اليهم، ينصف المظلوم ويحاسب المسؤول فورا، باعثا في النفوس الطمأنينة.
هذا الانصاف والحزم في تطبيق القانون والثقة التي رسخت بنفوس العمانيين جعلت البلاد تحتل أدنى مراتب معدلات الجريمة في العالم، وهذا بحد ذاته من ثمرات العمل الدؤوب الذي كرس الرجل حياته له، حتى عندما عصفت رياح سموم ما سمي”الربيع العربي” في عالمنا الصغير خرج بعض العمانيين إلى الشارع رافعين شعار “الشعب والسلطان ضد الفساد”، واستجاب قابوس لمطالب شعبه فورا موجها بتأمين 50 الف وظيفة لاستيعاب الشباب.
لم يكن يملك قابوس أي شيء فكله مسجل باسم الدولة، ولم تكن له أي ممتلكات في الخارج، لأنه كان مؤمنا بشعبه، وبلاده، ولذلك رحل ناصع البياض في السيرة والتاريخ، ودفن بكفن بلا جيوب، واستحق أن يقال فيه انه حكم بلاده بالحزم الابوي والشفافية.
قابوس بن سعيد كان ينظر إلى المستقبل، لأن الحكم عنده استمرارية، لذلك اختار خليفته الرجل المؤتمن على رؤية عمان 2040 هيثم بن طارق آل سعيد سلطاناً يُكمل مسيرة النهضة والتنمية.