ما أروعه من مشهد تابعناه أمس على شاشة التلفزيون، حين أطل سيد عمان وتاج فخارها، حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه، بخطاب أثلج الصدور وأزاح الغمة الجاثمة في القلوب، المُحِبَّة له، إطلالة حركت فينا شجنا كبيرا، وأملا أكبر، وأطلقت عصافير الفرح من أوكارها، حيث راحت تغرِّد في وسائل التواصل الاجتماعي، معبرة عن حب خاص وخالص، لهذا القائد الذي ملك شغاف القلوب، وأسر الأفئدة بمحبته واتزانه وحكمته.
وما أعذبه من مشهد، حين رأينا جلالته حفظه الله، يقرأ خطابه لشعبه المتعطش لنسمة خبر عنه، ولنفحة رائحة تأتي منه، ولكلمة واحدة تخرج من شفاهه، وكأنها الدرة اليتيمة تخرج من بحر عميق، فبخطابه أعاد الفرح للنفوس، والنشوة للقلوب، والثقة في الله أكبر، أن هيأ أسباب الخير، ليبقى صاحب الجلالة في ثوب الصحة والعافية.
وفي ذات اللحظة التي كان فيها جلالته حفظه الله يخاطب شعبه، رحنا معه نستعيد شريطا من الحنين اليه، خبأناه في قلوبنا أياما طويلة، وأفصحت عنه أطفال عمان، الذي خروا لله سجدا في ساحات مدارسهم ومعاهدهم، شاكرين الله بعد سماع صوته، مثلما أطلقت النساء زغاريد الفرح، وراحت عيون البعض تدمع فرحا، فقد آلمهم الشوق إلى سماع خبر عنه، حتى جاء هو بالخبر اليقين، واستمعوا إليه بعد انقطاع طويل.
لحظة غمرتنا بفيض من السَّعادة والإشراقة، ونحن نصيغ السمع بكل مشاعرنا وأشواقنا ومحبتنا إلى خطاب جلالة السلطان المعظم، يقرأ بكل هدوء وثقة وصبر واتكال على الله، فكانت جملة: «أيها المواطنون الأعزاء»، تتفتح من خطابه كزهرة بللها الندى، فاحت بالشذى والعطر، وسمعناه وهو يحييِّ شعبه العماني بثقة واقتدار، ويحمد الله على ما يسَّر من رشد وصلاح، للأخذ بمسيرة النهضة نحو دولة عصرية.
وبقلب مؤمن بالله، وقانع بقدره، وراض بحكمته، يصف ما حدث له بالإرادة الإلهية، فتأتي البشارة منه ولله الفضل، أن نتائج الفحوصات الطبية تبشر بالخير، وأن الله قد منَّ عليه بالشفاء وعلى عمان كذلك، وهذا ما رأيناه من حديث وجهه وعينيه، حيث كان وجهه ناضحا بالبِشر والتفاؤل، وباسما في وجوه من تشرَّفوا بلقائه، وعيناه مؤتلقتان، تشعان صحة وحيوية.
لقد أدمعت العيون يا صاحب الجلالة، وأنت تقرأ خطابك الرفيع على شعبك، أدمعت العيون وأنت تدعو له بالحفظ، وتعبر له عن سرورك العميق وشكرك البالغ، أدمعت العيون وأنت تخاطب القوات المسلحة الباسلة بكل قطاعاتها، المرابطة في ثغور الوطن العزيز، وحفزت الهمم لحماية تراب الوطن والذود عن مكتسباته، وهو واجب مقدس، لأن الأمان والسلام هما أكثر ما يشغلان وجدانك، ومن غيرهما لا تعرف الشعوب العزة والكرامة.
ورغم أن الغياب قد طال يا صاحب الجلالة، إلا أنك كنت الغائب الحاضر، كنت بيننا ومعنا، تستعيد عمان خطاباتك، وتلهب مشاعرها كلماتك، وتنتهج نهجك الذي رسمته لها، وتتبع معك الخطة التي أرسيت دعائمها، منذ اليوم الأول لها، كما عبرت في خطابك، وحبَّرت بمشاعرك، فهنيئا لعمان صحتك وعافيتك، ودمت يا فخر الزمان لشعبك الوفي، دمت للسلام الذي أخصبت به العالم، دمت فجرا أشرق على عمان قبل 44 عاما، وبقيت شمسا تشع بالدفء والضياء.