خطبة الجمعة التي القاها صاحب الجلالة بجامع السلطان قابوس بنزوى 17ـ2ـ1989
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي منّ على الأنسان بالخلاقة في الأرض والسيادة في الكون دون سائر المخلوقات وسخر له الطبيعة ليكون لربه عبدا شكورا. أحمده حمد الشاكر لنعمته الراجي لرحمته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الخلق والأمر والحمد والشكر والمنة والفضل وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, ويدعو عباد الله إلى العمل الصالح ويحثهم على مكارم الأخلاق ويبين لهم أساليب النجاح في الدنيا والآخرة صلى الله علية وسلم وعلى آله وصحبه العاملين بأمره والتابعين لهديه والسالكين سبيلهم الى يوم الدين.
عباد الله.. إن الله ميـز الإنسان عن كثير من مخلوقاته بخصائص فطرية وهيأ له ما يمكنه ليكون خليفته في الأرض يستعمره فيها وجعل بين الخصائص الفطرية وبين آياته المسخرات في هذا الكون تناسقا وانسجاما يساعده ليقوم بمهمته خير قيام باستغلال منافع الأرض واكتساب الرزق. والمتأمل منا في سورة النحل من كتاب الله الكريم يجد من الآيات البينات ما يكفي للدلالة على هذا القول.. فلقد قال تعالى في محكم كتابه { هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآيه لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتلغوا من فضله ولعلكم تشكرون }...
إن هذه الآيات العظمى والنعمة الكبرى التي سخرها الله سبحانه وتعالى لعباده واختصهم بها يجب أن يقابلوها بالشكر والاستغلال الحسن فيما سخرتمن أجله لتعمر الأرض وتستمر الحياة الطيبة الكريمة وصدق الله العظيم إذ يقول { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }...
فاتقوا الله عباد الله واسمعوا لقوله { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون}...
إن في طي هذا الامتنان من الله تعالى بهذه المنافع حثا ضمنيا على استغلالها فيما هيأت له من الخير وقد جعل الله بين أفراد بني البشر من المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة ما يقوي صلاتهم ويدعم علاقاتهم لتتسم حياتهم بخصائص المدنية المحكومة بنظم الاجتماع , ما ذلك إلا مظهر من مظاهر الاستخلاف.
واعملوا أن الحضارات لا تقوم إلا اذا توفرت لها المقومات الأساسية وعلى رأسها حب العمل بين الأمة الواحدة فما أحرانا نجن بني الانسان بالعمل وقرآننا الكريم يقــول { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى } صدق الله العظيم.
عبادالله وكما خثنا على العمل فان لنا في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر فقد كان عليه الصلاة والسلام يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويحمل حاجته ويعين أهله وفيسيرته النبوية الشريفة اكثير من الأحاديث الصحيحة التيتحث على العمل " والذي نفسي بيدة لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أتاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه " فالقادر على العمل الساعي فيه والقادر على الكسب الشريف أفضل من غيره "المؤمن القوي خير وأحبإلى الله من المؤمن الضعيف" فلا ينبغي للمؤمن الصادق في إيمانه أن يضعف نفسة ليتكفف الناس ويتعفف عن العمل بل عليه المبادرة والاعتماد على النفس والسعي في طلب الرزق واتخاذ العمل كالعبادة... { من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له } وإن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الا السعي في طلب المعيشة وليس عند الله أحب من عبد يأكل من كسب يده.. كل ذلك وأكثر مما لا يدع مجالا للتكاسل والاتكالية..
عباد الله .. إنه بالتوجيه الرباني بالحفاظ على التوازن بين حياة الروح وحياة البدن ضمان لسلامـة الدنيا وسعادة الآخرة. فاتقوا الله واستجيبوا لداعي الحق إذ دعاكم { يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.
اللهم صلــي وسلم على رسولك النبي الأمين وأرض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن سائر الصحابة أجمعين , وأغفر اللهم لنا وللمؤمنين والمؤمنات إلى ىيوم الدين.. اللهم أحفظ بلادنا وامنن علينا بنعمة الامن والرخاء.. اللهم اسقنا غيثا تخضر به الأرض وينمو به الزرع,وتعم به البركات.. اللهم وفقنا لشكرك على ما انعمت به علينا وعلى شعبنا واحفظ اللهم الاسلام والمسلمين.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكــرون..